حكاية الرجل الذي حفر قبره بيده.

صحيفة الرأي العام الخرطوم: مبارك حتة العم عبيد الخضر عبد الله أشهر حافري القبور بولاية كل شبابه ومازال حافراً للقبور منذ ما يزيد عن القرن من الزمان، في جُعبته الكثير من الأسرار والغرائب.. قابلته وهو يحفر قبراً لقادم جديد، فحفرت معه هذا التقرير. بدايات من مواليد العام 1937 م.. كانت أول ضربة بـ )الطورية( على الأرض من ساعد الشاب وقتها، عبيد الخضر عبد الله بمقابر الرميلة في الخرطوم. ومن يومها وادوات الحفر تعلو وتهبط، ليهال التراب على جسد عزيز إنتقل الى جوار الجليل الرحيم..ويتكاثر تبعاً له الاجر في حساب العم عبيد يوم لا ينفع مال ولابنون. أول مقبرة يقول العم عبيد انه لا يذكر تاريخ أول مقبرة حفرت في الرميلة، ولكنه يعتقد ـ كما يقولون دوماً ـ ان أول شخص يدفن في أية مقبرة جديدة يجب ان يكون شيخاً أو رجلاً صالحاً. قبل الحفر أول شئ يفعله عمنا عبيد الخضر قبل الشروع في حفر أية مقبرة، هو فحص الأرض جيداً، لأن حفر القبور يشبه العمل في الجيولوجيا من حيث اختيار المكان وفحص التربة كأن يقوم مثلاً بالضرب على الأرض بواسطة )الأزمة( لمعرفة ان كانت هنالك مقبرة في المكان المراد الحفر عليه أم لا.. فاذا سمعت صوتاً يشبه طرق البرميل، فهذا يعني ان ثمة جثمان مسجى في تلك البقعة . مقابر جاهزة يقوم العم عبيد في أحيان كثيرة بتجهيز مقابر للحالات الطارئة التي تأتي من أماكن بعيدة خارج حدود منطقة الديوم الغربية وحالات الوفاة منتصف الليل أو خلال فترة الخريف الذي يتعذر معه الحفر. خلال المسيرة الممتدة الى أكثر من خمسين عاماً اكتسب معرفة خصائص وتميز كل تربة عن الأخرى باختلاف الزمان والمكان معاً، فتربة ام درمان تجدها قوية وجيرية، طينتها حمراء يصعب الحفر عليها. أما تربة مقابر الرميلة والقوز فهي مستوية لأنها رميلة نوعاً ما. يستدرك العم خضر محذراً :احياناً حفر القبر حتى في الأراضي الصلبة يكون سهلاً ، حسب عمل المرحوم في الدنيا، لأن هنالك قبور لأناس صالحين حفرناها بسرعة شديدة ولم نستخدم فيها الأزمة. مسيرة حفر القبور عند العم عبيد خضر امتدت حتى مكة المكرمة والمدينة المنورة والخليج عامة وليبيا وهي أراض في معظمها تربتها مالحة وجيرية لذلك يتم الحفر والدفن فيها بطريقة معينة بحيث لا تنهدم التربة. وفي حالة امتلاء المقابر بعد تراكم السنوات عليها، يمكن الدفن فيها بعد تحويل عظام اكثر من مقبرة الى حفرة واحدة. لأن المقابر لا تصلح ان تكون إلا مقابراً..هكذا يقول العم عبيد. كيف تدفن الاطراف؟ في أي مكان سنجد قبراً لجثة غير مكتملة، أي دفن الاطراف المقطوعة من الانسان سواء أكان ذلك لسبب طبي أو لحوادث، وفي كل هذه الحالات يتم التعامل بالدفن فيها بنفس الطريقة المتبعة للجثة الكاملة. موعد مع القدر..! هنالك أشياء مثيرة يلعب فيها القدر دوراً كبيراً، وفيها عظة للناس.. ومن الأشياء المثيرة التي صادفت العم عبيد خلال مسيرته مع القبور، ان قام أحد زملائه من حفاري القبور ذات يوم بتجهيز قبر لامرأة توفيت واثناء الدفن اتضح ان المرأة كانت في حالة غيبوبة فلم تدفن فرجع الحفار الى منزله بعد ان أوصى زملاءه ان لا يدفنوا أحداً في القبر الذي حفره لأن صاحب النصيب سيأتيه.! في المساء توفي حفار القبور ودفن في نفس القبر الذي حفره بيده، ولم يدر انه نفسه صاحب النصيب. مثير وغريب هناك مواقف مثيرة حدثت للعم عبيد، فقد كان يعمل في شبابه في حفريات المباني الجديدة في حي العمارات وينقل اليها التراب من المنطقة التي بها كبري المسلمية الآن وهي فيما مضى كانت مقابر قديمة


م...ن....ق....و.....ل